المثقفون وسؤال الهوية

صدرت في العالم العربي كتب عدة عن العلاقة الإشكالية بين المثقفين العرب والغرب، بدءاً من أول اتصال بين الشرق والغرب، سواء من خلال البعثات الأولى التي أرسلها محمد علي باشا إلى فرنسا أو من خلال ما تصوره مثقفون عن الغرب الذي لم يعيشوا فيه بل قرأوا عنه وتخيلوه . وحين يقارن المؤرخ بين رحلات المثقفين العرب إلى أوروبا ورحلات المستشرقين إلى العالم العربي يجد أن جذر سوء التفاهم بدأ يتشكل مبكراً .

 

وغالباً ما تقارن رحلة إدوارد لين إلى مصر برحلة الطهطاوي إلى فرنسا، فالأول لم يكن مجرد رحالة بريء أو مغامر لحسابه الخاص، بل هو جزء من حملة استشراقية أرادت اكتشاف هذا الشرق، أما الثاني وأمثاله فكانت رحلاتهم معرفية وفضولاً ثقافياً لا يترتب عليه شيء .

 

والمفارقة أن ما بهر الغرب بالشرق، سواء من خلال مثقفيه أو رحالته، هو الماضي وليس الحاضر، لأن أخيلتهم امتلأت منذ الصبا بحكايات ألف ليلة وليلة ومصباح علاء الدين، لهذا جاؤوا يبحثون عن واقع لم يعد قائماً، ومنهم من أغمض عينيه عن كل المشاهد الشرقية ورأى فقط ما يريد، كما فعل فلوبير عندما زار القاهرة ووصف مشاهد غير واقعية، لكنه اصطحبها معه في ذاكرته، ولو استطاع المثقفون العرب منذ مرحلة الريادة تعبيد الطريق إلى ثقافة معاصرة واستوعبوها بدلاً من الانبهار بها لربما كان الوضع الآن مختلفاً، لكن حواجز عدة حالت دون الحوار الندّي، والتوصل إلى مشترك حضاري وإنساني، منها الهوية ومكونات الشخصية وأنماط نظم الحكم، لهذا تبدو أطروحة الروائي والكاتب اللبناني أمين معلوف حول الهوية كما لو أنها محاولة للعثور على حل أو إجابة بقيت مؤجلة زمناً طويلاً .

 

معلوف عربي لبناني يكتب بالفرنسية، وهو أيضاً مسيحي لكنه من صلب حضارة إسلامية كما يقول، وأطروحته تتلخص في سؤال بالغ الأهمية هو: هل تتحول الهوية التي تمتزج فيها عدة عناصر ومكونات إلى قيد وتصبح قاتلة وخانقة؟ أو أنها تحول هذه العناصر إلى مركب جديد وكيمياء إيجابية؟إنه لا يجد تناقضاً بين عروبته وفرنسيته كما يقول، لأنه لا يشعر بالنقص إزاء الحضارة التي يعيش فيها، فهو يعطيها بقدر ما يأخذ منها، فهل دشن هذا المثقف مرحلة جديدة في التعايش الثقافي والإنساني؟

خيري منصور

أحد, 30/11/2014 - 11:29

          ​