الاعتراف..!!

- انتصب واقفا وضرب الطاولة بقوة وقال: غير معقول.. غير معقول..

- وجم الحاضرون وساد الصمت دقيقة، قبل أن يقطعه صوت محمد جميل منصور: ما الذي تعنيه يا سيادة الرئيس؟

- أنت أعلم الناس بما أعني، ولا وقت لدي للنقاشات العقيمة..

خرج من الاجتماع مسرعا ودون وداع، تتقاذفه الوساوس والهواجس: "لقد طعننا الإسلاميون في الظهر يوم شاركوا في النيابيات وحرضونا على مقاطعة الرئاسيات.. عموما نحن نتحمل المسؤولية كاملة، فقد لدغنا في نفس الجحر عشرين مرة.."

وصل إلى البيت مع أذان صلاة المغرب ، تذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع المغرب والعشاء بلا سفر ولا مطر، كما أخبر بذلك جمهور منسقية المعارضة في إحدى مهرجانات "الرحيل"..

أدى صلاتيه جمعا في بيته فالتوتر بلغ منه حدا قد يبرر الغياب عن صلاة الجماعة هذه المرة.. قرر أن يستلقي على سرير النوم باكرا هذه الليلة ليطلق العنان لأفكاره التي تتراقص في مخيلته، قبل أن يستسلم للنوم..

استلقى على السرير وبدأ يفكر في صمت: "إلى أي مصير يقودنا هذا "الجنرال"؟ وكيف يفلت في كل مرة من حبل "المشنقة"؟ ترى لماذا بقي هو ورحلنا نحن؟ ولماذا كل مبادراتنا تأتي بنتائج عكسية وفي كل مرة أيضا..؟

لا شك أن ثمة خللا في بنية العمل السياسي، وإلا لماذا يزداد حلم وصولنا للسلطة ابتعادا كلما تخيلناه قريبا؟

عادت به الذاكرة إلى سنوات الجمر في عهد ولد الطائع، تذكر أن "رفاقا" في الدرب تخلوا عنه عند أول امتحان، ومن بينهم قادة بارزون في المنسقية أو المنتدى لا فرق.. توقف طويلا مع سلسلة الاعتقالات التي تعرض لها، وسياسة الحظر والمصادرة التي كان ضحيتها على مدى عقد ونصف.. تساءل بمرارة: هل يعقل أن أركن بهذه السهولة والعفوية والطيبة لمن كانت دخان سجائره تغطي غرفة اعتقالي أثناء ليالي الاستجواب الطويلة؟ هل نسيت أن من يتزاحمون معي بالمناكب اليوم خلال المسيرات هم من زور النتائج، ولفق التهم، ونهب خيرات البلد، وفوق ذلك هم من عمل على تمزيق الحزب عبر زرع العملاء والمخبرين في مناصبه القيادية، قبل حظره نهائيا..؟

تقلب في سريره ثم قال: لن ألوم هؤلاء فقد كانوا ينفذون أدوارا رسمت لهم بعناية، لكنهم لايصلحون على أي حال لقيادة الثورة.. أما أنا فلن اغفر لمن دفعتُ بهم إلى واجهات الإعلام وقلدتهم المناصب الانتخابية، حتى باتوا شيئا مذكورا، ومقابل كل ذلك طعنوني بخنجر مسموم في الظهر عدة مرات.

مرت به الذاكرة على انقلاب الـ6 أغسطس 2008 تذكر موقفه أنذاك، وقال: أنا الذي فعلتها لنفسي، لكنه استدرك قائلا: ما الفائدة من عدم اعترافي بالانقلاب، وما الذي سيكون عليه حالنا لو لم يحدث.؟

خلص في النهاية إلى أن الانقلاب أتاحت فرصة جديدة للترشح، لكنه لم يرد الخوض في مبررات تراجع الشعبية بنسب مخيفة جدا، واكتفى بالاعتراف بين جدران غرفة النوم الأربعة، أن القادم الجديد سحب من تحت المعارضة التقليدية البساط، يوم حول خطابها السياسي "الطوباوي" في تسعينيات القرن الماضي إلى واقع، حين أغلق سفارة الكيان الصهيوني، وزار الأحياء العشوائية ومسح دموع اليتامى والأرامل ولامس وجدان الأمة وحقق جزءا من طموحاتها التي كانت مؤجلة إلى حين..

قال في قرارة نفسه: "ربما ولهذا وحده تغلغل حب "الجنرال" في نفوس المواطنين، لذلك لا غرابة إذا فشلنا في معارك الرحيل خلال السنوات الماضية، وبدل أن يرحل الرجل، ها هو يتجذر باستمرار وها نحن نرحل عن هذا المشهد في هدوء.."

فجأة قطع حبل تفكيره صوت المؤذن ينادي "الصلاة خير من النوم".

سيدي محمد ولد ابه

[email protected]

أحد, 08/06/2014 - 23:07

          ​